في مثل هذا اليوم، 5 يونيو، تحل الذكرى الرابعة والأربعون على رحيل أحد أعمدة الشعر العربي في العصر الحديث، الشاعر الكبير أحمد رامي، الذي صاغ بمفرداته العذبة مشاعر الحب والفقد والحنين، وارتبط اسمه بكوكب الشرق أم كلثوم، فكان كاتب كلماتها المفضّل وشريكها في إبداع أشهر الأغنيات الخالدة في الذاكرة العربية، لم يكن رامي مجرد شاعر، بل كان مثقفًا موسوعيًا، ومترجمًا بارعًا، ومحبًا صامتًا سطر أحاسيسه في قصائد لا تُنسى.
النشأة والبدايات
وُلد أحمد محمد رامي حسن الكريتلي في 9 أغسطس عام 1892 بحي الناصرية في القاهرة، لأسرة ذات أصول تركية، أمضى سنوات طفولته الأولى في جزيرة “ثاسوس” باليونان حيث كان يعمل والده طبيبًا، قبل أن تعود العائلة إلى مصر عام 1901 ليستكمل تعليمه بالقاهرة.
التحق رامي بمدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها عام 1914، ثم أُوفد في بعثة علمية إلى باريس عام 1922، حيث درس فنون المكتبات والوثائق بجامعة السوربون، وتعلّم اللغة الفارسية في معهد اللغات الشرقية، وهي التجربة التي مهدت له طريق الترجمة، وأبرزها ترجمته الشهيرة لـ رباعيات عمر الخيام.
شاعر العاطفة وكاتب الأغنية
لمع نجم رامي كشاعر غنائي متميز منذ بداياته، إلا أن شهرته تضاعفت حين ارتبط فنيًا بكوكب الشرق أم كلثوم، فكتب لها أكثر من 110 أغنية، حملت توقيعه وأحاسيسه التي تحوّلت إلى لحن وصوت خالد.
من أشهر أعماله معها: “رق الحبيب”، “يا ظالمني”، “عودت عيني”، “جددت حبك ليه”، و”أنت الحب”.
امتاز شعره بالبساطة والعذوبة والصدق العاطفي، وهو ما جعله الأقرب إلى الجمهور، والأكثر تعبيرًا عن مشاعرهم، بل تحوّل كثير من أبياته إلى أمثال وأقوال دارجة على ألسنة الناس.
مترجم مبدع و”رباعيات” خالدة
إلى جانب موهبته الشعرية، كان أحمد رامي مثقفًا بارعًا متعدد المواهب. وقد برزت عبقريته بشكل خاص في ترجمته لـ رباعيات عمر الخيام، حيث لم يكتف بنقلها حرفيًا، بل أعاد صوغها بلغة شعرية رفيعة حملت روحه وإحساسه.
صدرت ترجمته الأولى للرباعيات عام 1924، ولا تزال حتى اليوم من أهم وأجمل الترجمات العربية لهذا العمل الأدبي الفارسي العميق في الفلسفة والحكمة والروح الصوفية.
مشواره المهني والثقافي
عقب عودته من فرنسا، عمل رامي في دار الكتب المصرية، ثم عُيّن أمينًا لمكتبة عصبة الأمم في جنيف، وهي تجربة دولية صقلت مهاراته وزادت من اطلاعه الثقافي.
بعد عودته إلى مصر، شغل عدة مناصب مهمة، من بينها مستشار للإذاعة المصرية، ثم نائب رئيس دار الكتب.
كان له دور محوري في إدخال نظم التوثيق والمكتبات الحديثة إلى المؤسسات المصرية، إلى جانب مساهماته في السينما من خلال كتابة النصوص والحوارات لعدد من الأفلام والمسرحيات.
الحب الصامت والحياة الشخصية
رغم أن أحمد رامي لم يتحدث كثيرًا عن حياته الشخصية، إلا أن علاقته العاطفية غير المعلنة بأم كلثوم كانت من أشهر القصص في الوسط الفني والثقافي، لم يُتوَّج هذا الحب بزواج، لكنه خلّد في أغنياته ومفرداته التي كانت تعبيرًا صادقًا عن قلب عاشق صامت.
بعد وفاة أم كلثوم عام 1975، دخل رامي في حالة من الحزن العميق والعزلة، واعتزل الكتابة نهائيًا، وكأن صوته الداخلي قد أُسكت برحيل ملهمته.
وفاته وإرثه الخالد
في 5 يونيو عام 1981، أسدل الستار على حياة شاعر عظيم رحل عن عمر ناهز 88 عامًا، لكنه ترك تراثًا أدبيًا وفنيًا خالدًا لا يزال حيًا في وجدان الجمهور العربي.
كلمات رامي لا تزال تُتداول وتُغنّى، و”رباعياته” لا تزال تُقرأ وتُقتبس، وما قدمه من عطاء فني وإنساني يجعله أحد أهم رموز الأدب والموسيقى في العالم العربي.
أبرز أعماله
• ديوان “أغاني رامي”
• ترجمة “رباعيات عمر الخيام”
• “غرام الشعراء” (مسرحية)
• نصوص سينمائية
• أكثر من 110 أغنية لأم كلثوم